أطلقت المملكة العربية السعودية مؤخراً إستراتيجية جديدة تحدد ملامح التنمية الاقتصادية خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة. وترسم رؤية 2030 الخطوط العريضة للأهداف التي ستسعى الحكومة إلى تحقيقها على المدى المتوسط فضلاً عن تحديد الآليات الكفيلة بتحقيقها. ويركز الموضوع الرئيسي لهذه الوثيقة المحورية على تنويع الاقتصاد الوطني بعيداً عن النفط وذلك من أجل خلق فرص عمل وتحسين مستويات المعيشة وفق طريقة مستدامة.

ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً من شركة الاستشارات الدولية “ماكينزي”، فإن ما لا يقل عن 4.5 مليون سعودي في سن العمل سيدخلون إلى سوق العمل بحلول عام 2030. وإذا استمرت نسب مشاركة الإناث في الارتفاع، فإن هذا الرقم يمكن أن يزيد ليصل إلى 10 مليون وظيفة مطلوبة. ويعني ذلك ضرورة “خلق ما يقرب من ثلاثة أضعاف فرص العمل التي وفرتها المملكة لمواطنيها إبان فترة الطفرة النفطية ما بين عامي 2003 إلى 2013″، وذلك بحسب ما ورد في التقرير.

وفي هذا السياق، لم يعد مقبولاً أن يلعب القطاع العام دور الملاذ الأخير لتوفير فرص العمل، حيث ستكون هناك حاجة إلى جعل القطاع الخاص هو المحرك الرئيسي لخلق الوظائف خلال السنوات المقبلة. أيضاً فإن أحد الأهداف البارزة التي تشتمل عليها رؤية 2030 هي زيادة حجم مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد لتصل إلى 65% (من 40% حالياً)، مع التركيز بشكل خاص على المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وسيتعين معالجة العديد من التحديات لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك الحد من الروتين الحكومي وتحسين بيئة الأعمال، وجذب الاستثمار الأجنبي، والذي يجلب معه عادة تكنولوجيا جديدة ويسهم في نقل المهارات، فضلاً عن إصلاح نظام التعليم حتى يصبح قادراً على تزويد الشباب بالمهارات التي يحتاجونها للعمل بصورة منتجة في القطاع الخاص.

وسيستغرق تحقيق هذه الأهداف بكل تأكيد بعض الوقت، إلا أن رؤية 2030 تعترف صراحةً بوجود هذه التحديات وتسعى لمعالجتها بشكل جدي، ما يمكن اعتباره خطوة أولى وأساسية في الاتجاه الصحيح.

[مقالات ذات صلة: المملكة تعلن رؤية السعودية 2030 | قرارات 2030 التي ستغير حياتك و تجعلك أكثر سعادة]

واحدة من أهم مكونات رؤية 2030 الجديدة هو نقل ملكية شركة النفط الوطنية ’أرامكو السعودية‘ إلى صندوق الاستثمارات العامة بعد إعادة هيكلته، بالتوازي مع بيع حصة صغيرة من الشركة (بحد أقصى 5%) لطرح بعض من أسهمها للاكتتاب العام، ثم استخدام عائداتها لاحقاً للاستثمار في أصول غير نفطية بهدف تنويع الإيرادات العامة. كما سيتم إعادة هيكلة أرامكو نفسها، في الوقت المناسب، وبالتالي لن تصبح بعد الآن مجرد شركة نفطية، بل أحد الكيانات الصناعية العملاقة التي تعمل في مجالات متنوعة. ومن المأمول أن تؤدي هذه الجهود في نهاية المطاف إلى تقليل تأثير التغيرات في أسعار النفط على الإيرادات الحكومية، وبالتالي جعلها أكثر استقراراً. كما سيخلق أيضاً تطوير الصناعات غير النفطية المزيد من الوظائف داخل المملكة فضلاً عن إضافة طاقات جديدة تسهم في نمو الاقتصاد بطريقة مستدامة على المدى الطويل.

وبالإضافة إلى تطوير القطاعات الصناعية في المملكة، حددت رؤية 2030 الخطط اللازمة للتوسع في قطاع السياحة والضيافة، وذلك بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من ثقافة وتراث السعودية فضلاً عن تعظيم الفائدة من العدد الكبير للزوار القادمين إلى المملكة كل عام لأداء مناسك الحج. ويتميز قطاع السياحة بتشغيل عمالة كثيفة، وبالتالي يمكن أن يسهم تطوير هذا القطاع في خلق المزيد من فرص العمل للشباب السعوديين خلال العقد المقبل.